الدولة الإسلامية

"المسلمون في حاجة إلى كيان سياسي يجمعهم ودولة ترفع لواء الإسلام وتسعهم وتسع غيرهم من المواطنين غير المسلمين، وما تخلف المسلمون إلا بعد أن نقضت عروة الحكم وتفرق جمعهم وتلاشى كيانهم السياسي.

والتجأ المسلمون بعد ذلك إلى غيرهم يقلدونهم ويستوردون من عندهم النظم والهياكل والمؤسسات والقوانين دون تمحيص ودون عرضها على منهج الإسلام ليأخذوا ما وافقه ويدعوا ما خالفه.
وتحت سطوة العلمانية تشوه مفهوم الدولة الإسلامية إلى درجة أنكر فيها البعض أصلا وجود السياسة في الإسلام، بالمقابل وقف بعض المدافعين عن الدولة الإسلامية عند صور وأشكال قديمة لها تنفر وتوصم بالعجز.
ومن هنا احتاج هذا المفهوم إلى تحرير وتصويب وتعريف وتجديد.

1- واجب إقامة الدولة الإسلامية:
على المسلمين واجب إقامة الدولة التي تحفظ الدين وتسوس الدنيا به.
فأحكام الشريعة الإسلامية كثيرها لا يمكن تطبيقه إلا بوجود سلطة تحمل الناس على ذلك وتؤدي الأمانات:إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِالنساء58. والإسلام يأمر الثلاثة في سفر أن يؤمّروا أحدهم فكيف بأمة تترك فوضى لا سراة لهم ولا نظام يحميها وينظم شؤونها.
"كلم راع وكلم مسؤول مع رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته" أخرجه البخاري.
والإسلام دين ودولة، وشريعة وعقيدة، وعبادات ومعاملات، فهو لا يقبل بأن يكون دنيا للأفراد أو الجماعة دون الأمة، أو دينا يحشر في المساجد وتغلق في وجهه مؤسسات السيّاسة والحكم وشركات، الصناعة والتّجارة وشؤون حياة النّاس.
والرسول  هو المنشئ الأول للدولة الإسلامية انطلاقا من المدينة.
وإجماع الأمة على وجوب إقامة الدولة الإسلامية واضح في تاريخ المسلمين بداية من بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
ويقول بن تيمية في السيّاسة الشرعية "يجب أن يعرف أن ولاية أمر النّاس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها".

2- هل الدولة الإسلامية دينية أم مدنية؟
الدولة الإسلامية ليست دولة دينية بمفهوم الحق الإلهي أو ما يعرف بالتيوقراطية التي عرفها الغرب تحت حكم رجال الكنيسة.
بل الدولة الإسلامية هي دولة مدنية تقوم على مبدأ الشورى وسيّادة الأمة وحريّة اختيار الحاكم، ولها قوانين تنظم حياة الناس.
ولكنّها ليست دولة علمانية تفصل بين الدين والدولة وتخضع الإنسان إلى قانونين: قانون سماوي حدوده بيت العبادة وقانون وضعي يشمل بقية مجالات الحياة:ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الزمر29.
ومن هنا نقول أنها دولة مدنية دينها الإسلام ولذلك تنص دساتير دول المسلمين على أن "الإسلام دين الدولة"، فهي دولة لها دين، فالدولة الإسلامية هي الوسط بين الدولة الدينية والدولة اللادينية.

3- خصائص الدولة الإسلامية:
- دولة توحيدية: قائمة على عقد الإيمان التوحيدي بين الفرد وربه يلتزم بموجبه الفرد بالحق والخير إيمانيا.
وهي دولة ترفع لواء التوحيد لتحرير الناس من كل سلطان غير الله، وتهدي الناس إلى دعوة الحق وعبادة الخالق.

دولة للناس:
دولة من أجل الناس ولصالح الناس وهي دولة الأمة التي قال فيها الله عز وجل:كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ آل عمران110.
إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّالزمر41، فالكتاب للناس والأمة للناس ودولة الكتاب للناس.

- دول عالمية:
دولة الإسلام ليست خاصة بأمة دون أمة أو شعب دون شعب فهي ليست دولة عنصرية ولا إقليمية بل دولة عالمية بعالمية الرّسالة التي يحملها وهي الإسلام.
ولكن عالمية الدولة لا تعني إلغاء الدول القطرية إنّما هذه هي غاية الإسلام التي يعمل على تحقيقها في ظل أشكال وحدوية متروكة لاجتهاد البشر.
فالعالمية تعبر عن وحدة الأمة الإسلامية ودورها تجاه الأمم: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ البقرة143.

- دولة قانونية: دولة شرعية تتأسس بالدستور والقانون وفقا للمرجعية الإسلامية.
وتلتزم بما تصنعه من قوانين يحتكم إليها الناس حكاما ومحكومين ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ الجاثية18.

- دولة شورية:
لا تقوم على الوراثة ولا تقوم على الاحتكار:..إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ البقرة124.
بل تقوم على الشورى التي مكنت المسلمين من اختيار حاكمهم وتعطيهم حق مراقبته ومحاسبته وخلعه إن لزم الأمر.
والشورى كقيمة تستوعب الآليات التنفيذية التي جاءت بها الديمقراطية.
والشورى تكون في تدبير الشؤون:وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ آل عمران159.
وتدخل الشورى في جميع المستويات وفي جميع المجالات حتى وصفت صيغة من صفات المسلمين: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ الشورى38، أي أن كل أمرهم شورى.

- دولة أخلاقية:
الدولة الإسلامية دولة أخلاق ومبادئ ومثل تلتزم بها وتلزم بها. دولة صدق وعدل ووفاء ومسؤولية وحماية للضعيف ورحمة بالنّاس ودولة تنشر الأخلاق والفضيلة وتحارب السوء والرذيلة وتجعل الحياة نظيفة وتعطي للإنسان قيمة وكرامة لا تبتذل ولا تهان ولا ترخص بالشهوات الحيوانية التي تخرج عن حدود الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
إنها دولة تخالف مقولة الغاية تبرر الوسيلة لأنها دولة غايتها شريفة ووسيلتها يجب أن تكون شريفة، "إنّ الله طيب لا يقبل إلا طيبا".